خلينيقرب الصليب خليني قربك يارب .. فأني لم أتركك منذ ولادتك.. لقد كنت ملازمة لك طول أيام حياتك علي الأرض.. فهل لي ياربي وإلهي أن أتخلي اليوم عنك.. وأتركك في هذه المحنة؟… صحيح إن العالم قد فرح بقبوله الخلاص..أما أنا كأم فحزينة.. ولاأملك شيء أفعله سوي دموعي وأحشائي التي قد التهبت عند نظري الي صلبوتك.. نعم سمعان الشيخ كان قد تنبأ لي بهذا السيف الذي أخترق قلبي..
كان يوحنا الحبيب التلميذ الوحيد الذي تملكته الشجاعة والثبات وصار وراءه حتي الجلجثة لأنه أحب معلمه منذ أن دعاه ليصير لهتلميذا فوضع أمام نصب عينيه سؤال الرب يسوع له وليعقوب أخاه: “أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أ صطبغ بها أنا”
طريق الصليب ليس سهلا فهو ضيق وصعب وأنه الباب الضيق الذي سنخرج منه مخلصين وسندخل منه الي الملكوت.. فإن لم تستطع أن تحمل الصليب ..علي الأقل أمشي في طريق الجلجثة.. وتذكر أن: طريق الصليب هو طريق الرب يسوع كما قال عن نفسه: “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو١٤: ٦) .. فلا رجاء بالحياة الأبدية إلا بالصليب.
طريق الصليب .. طريق أورشليم السمائية .. قال رب المجد عن نفسه: “هانحن صاعدون إلي أورشليم.. وابن الانسان يسلم الي رؤساء الكهنة والكتبة…. ليصلبوه” (مت٢٠: ١٨-١٩) فهو قد صلب في أورشليم الأرضية.. لكي يفتح لنا أبواب أورشليم السمائية.
الصليب كما قال القديس أثناسيوس الرسولي بأنه المصالحة بين الله والبشر.. الصليب ليس فقط حلي وجواهر وأحجار كريمة بعد أن أسترد قسطنطين الصليب من أيدي الفرس أراد أن يكرمه في احتفال عظيم حيث أتشح بالحلة الملوكية ولبس عليها وشاح الإمبراطور .. ووضع علي رأسه تاج الذهب المرصع بالأحجار الكريمة ثم حمل الصليب علي كتفيه مثل سيده ليسلك طريق الجلجثة ويضعه في مكانه الذي أصبح كنيسة القيامة التي شيدته أمه القديسة هيلانة.. ولكن لما اقترب من باب الكنيسة ثقل عليه حملهحيث لم يستطع أن يدخل به .. فتقدم إليه أحد الكهنة وقال له: “اذكر أيها الملك أن مولاك كان حاملا الصليب وعلي هامته المقدسة أكليلامن الشوك.. لاإكليلا من الذهب.. فلزم أن تخلع تاجك الذهبي وتنزع وشاحك الملوكي.. ففعل كما قيل له ودخل الكنيسة بعد ذلك دون أي إعاقة.
جميل أن نحتفظ بصليب غالي الثمن ونرتديه كرمز.. ولكن الأجمل أن نعيشه كحياة ونأخذه كبركة لنا.. فمهما بلغ ثمنه وقيمته المادية فلن يكون أبدا بنفس ثمن وقيمة صليب رب المجد الذي سفك عليه دمائه الطاهرة.. ولاملايين العالم كله تكفي وتستطيع آن تغطي ثمن قطرة دم واحدة من دم يسوع الطاهر الذكي والثمين.. حتي لو وجد أغلي صليب علي الأرض وهو موجود فعلا والذي تقدر قيمته بمائة مليون دولار لأنه مرصع بحوالي ١١ ماسة حمراء من نوع نادر جدا في العالم وأيضا ٧٠٣ ماسة أخري.. إلا أن صليب الرب يسوع مرصع بقمة الحب والبذل من أجل فداء البشرية وخلاصها.
كثيرون بعيدون عن الصليب.. وقليلون قريبون منه ماعدا الشياطين الذين لايستطيعون الأقتراب منه لانهم يعرفون تماما قوته.. يقشعروا ويرتعدوا بمجرد رؤياه.. كثيرون يقلقهم منظر الصليب لأنه لايعرفون قيمته.. بل يجهلونه.. فكما يقول معلمنا بولس الرسول:”أن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة.. وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله” (١كو١: ١٨).. إلييومنا هذا للأسف الشديد يحقر البعض منه ويستهان به مثلما فعل اليهود من قبل وهذا ماأوضحه الرسول: “ان الكلام عن الصليب حماقة عند الذين يسلكون سبيل الهلاك.. أما عندنا فهو قدرة الله” (١كو١: ١٨-١٩) والذين يتهكمون علي الصليب قد نسوا أن هذ الصليب قد غير الكثيرون وردهم الي الإيمان بتعاليم الرب يسوع.. ربما نسمع هذه الأيام عن أحداث كثيرة قد غيرت العالم فلا جدوي إذن الا التمسك بصليب ربنا يسوع المسيح. أن غاندي الهندوسي وقف أمام صورة المسيح المصلوب يبكي متأثرا من المنظر.. وهناك كثيرون قد غيرهم فيلم آلام المسيح لدرجة أن بطل الفيلم نفسه تغيرت حياته بعد أن لعب دور السيد المسيح.
هناك صلاة كاثوليكية تسمي صلاة درب (طريق) الصليب والتي تقام تذكارا لآلام ربنا ومخلصنا يسوع المسيح.. .. وهي عبارة عن ١٤ مرحلة تبدأ من الحكم علي يسوع بالموت إلي إنزاله من علي الصليب ودفنه بالقبر.. وكانت قد بدأت في عام ٤٠٠م من قبل الحجاج المسيحيين الذين زاروا مواقع آلام المسيح بأورشليم .. وقد طبقت في جميع الكنائس الكاثوليكية منذ ذلك الحين إلي يومنا هذا.. وقد أبدع فنانوا الغرب في رسم لوحات جدران الكنائس بهذه المراحل الأربعة عشر.
ولكن ماوضع الصليب في حياتنا كمسيحيين .. وكيف ننظر إليه؟
الصليب نصرتي بل هو قوتي منذ أن كشف الرب لقسنطين الملك علامة الصليب ” بهذا تغلب” التي ظهرت في السماء وهو يتخذها كعلامة النصرة في حروبه..
الصليب راحتي.. بل مصدر طمأنينتي علي الصليب أخذنا الفادي الحبيب من جسد آدم الأول الي جسد آدم الثاني المسيح يسوع.. وفتح جنبه الطاهر لكي ندخل إلي فردوس النعيم.. هو فخري .. أفتخر أني أحمل الصليب وأصرخ مع معلمنا بولس الرسول: “حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم” (غلا٦: ١٤)
الصليب جذب الجميع إليه.. الذين اشتاقوا أن يكونوا تحت الصليب فكما قال الرب عن نفسه قائلا: “وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع” (يو١٢: ٣٢) هذا والكنيسة الأنطاكية لازالت تحتفل بعيد رفع الصليب الكريم.
لنختم هذه المقالة بفقرة صلاة من كتاب “الإقتداءبالمسيح”: “ياأيها المصلوب.. يامن جعلت الصليب طريقك إلي المجد يوم حملته وصعدت به علي جبل الجلجثة.. حيث علقت عليه بين السماء والأرض.. جد علينا بأنوارك الإلهية لنفهم مايخفي هذا الصليب من قوة.. وماينبعثمنه نور.. وماينطويعليه من تعزية للمسافرين في صحراء العالم.. وأعطنا الشجاعة لنجعله كل يوم كما أمرت.. لننهل من أسراره مانحتاجه من قوة لنصعد به إلي جبل الحياة.. حتي نتابع مسيرتنا الشاقة فنصل إليك حيث أنت جالس عن يمين أبيك القدوس” (الكتاب الثاني- الفصل الثاني – عدد ٢)
ا. نصر كامل